04 - 09 - 2025

كلام لبكره | برنامج الإصلاح الاقتصادي: كيف جعلتنا الحكومة ندور حول أنفسنا 10 سنوات بلا هدف؟

كلام لبكره | برنامج الإصلاح الاقتصادي: كيف جعلتنا الحكومة ندور حول أنفسنا 10 سنوات بلا هدف؟

بعد سنوات من التدهور الاقتصادي، اختارت مصر أن تتعاون مع صندوق النقد الدولي، على أمل أن يتحقق الحلم المصري الجديد: اقتصاد مزدهر، عملة مستقرة، وشعب سعيد يرقص في طوابير البقالة. وها نحن الآن بعد قرابة عشرة أعوام (منذ عام 2016) من "برنامج الإصلاح"، نحتفل على طريقتنا: انخفاض النمو، ارتفاع التضخم، وعبقرية في تحويل الفقر إلى فن يومي.

بعد عشر سنوات من الرقص على إيقاع الإصلاح الاقتصادي الذي يشبه رقصة التنورة – كثير من الدوران، ولا أحد يعرف متى سنقف – خرج علينا الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، ووزير الاستثمار المصري الأسبق، ليقولها بوضوح صادم (وشيء من الحنين): "يا جماعة، الطريق ده ما بيوصلش لحاجة!"

وفي تصريحات أزعجت أكثر مما أوضحت، دعا سيادته إلى أن تبني مصر "مسارًا اقتصاديًا مختلفًا"، وكأننا فجأة في فيلم من إنتاج نتفليكس بعنوان "الهروب من الصندوق". محيي الدين الذي يعرف الصندوق من الداخل والخارج، قرر أن يُخبرنا أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد، الممتدة منذ 2015، ليست أكثر من زواج أزمة، لا حب ولا شغف، فقط إدارة أزمات، بالكاد نحافظ فيه على المظهر العام.

وقال بكل أريحية وكأن لا أحد في الأستوديو سيصعق من الصراحة: "الوقت حان للتمرد على تلك العلاقة المقيّدة للحركة". نعم، تمرد! فالصندوق – بحسب تعبيره – كان ضروريًا عندما كان هناك "اختلالات مالية ونقدية"، لكن أن نظل ندور في نفس الحلقة منذ 2015 فهذه ليست خطة اقتصادية، هذا مسلسل مكسيكي بلا نهاية.

ولمن نسي، دعونا نعود إلى موسم 2022، حين طلبت مصر قرضها الثالث من الصندوق، بكل أناقة، وبقيمة 3 مليارات دولار فقط. أرادت الحكومة أن تخرج من الأزمة الاقتصادية بشيء من المساعدة الدولية – أو كما يقول البعض، بحبل نجاة قابل للفوائد المركبة. وطبعًا لم يأتِ القرض وحده؛ بل مصحوبًا بهدية لطيفة: حزمة إصلاحات بحجم الهرم الأكبر، لكن بدون السائحين.

وفي مارس 2024، بدا أن الأمور ستتحسن... أو تسوء أكثر، على حسب من تسأل. وافق الصندوق، بكثير من الحنان المشروط، على رفع قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار – على طريقة "خذ قرشين كمان بس خلّي بالك من نفسك... ومن الاقتصاد!"

وحتى الآن، أنجزت مصر أربع مراجعات لا نعلم بالتحديد من أصل كم؟ وفي المقابل تلقت 3.3 مليار دولار، أي بما يعادل تكلفة بناء مدينة ألعاب خالية من المرح. ومع ذلك، الصندوق قرر أن يؤجل المراجعة الخامسة والسادسة معًا، وكأنه يقول لنا: "راجعوا أنفسكم أولًا"، وذلك حتى سبتمبر الحالي، في محاولة "لإتاحة مزيد من الوقت للسلطات لتحقيق الأهداف". ترجمة غير رسمية: "أنتم لم تذاكروا، راجعوا الدروس أو لن تدخلوا الامتحان القادم."

وفيما نحن مشغولون بمتابعة تسريبات الثانوية العامة وأسعار الطماطم، ألقى محيي الدين قنبلة سياسية واقتصادية من العيار الثقيل: "الأزمة الحقيقية لم تبدأ بعد!" مفاجأة؟ لا. مأساة؟ بالتأكيد.

قال الرجل إن الاقتصاد المصري لم يتحرك منذ 2015، وفق مؤشر الناتج المحلي الإجمالي الثابت، وظل عالقًا عند 480 مليار دولار، وكأن أحدهم ضغط على زر الإيقاف المؤقت، ثم ضاع الريموت. وأضاف – بدون رحمة هذه المرة – أن مصر، لو كانت تسير بشكل طبيعي، كان يجب أن يتضاعف اقتصادها أربع مرات على الأقل. نعم، أربع مرات. ليس ضعفًا. ليس تحسنًا نسبيًا. بل اقتصاد بحجم أربعة اقتصادات مما نحن فيه الآن.

لكن يبدو أننا اخترنا المسار الآمن... مسار إدارة الأزمات، إدارة القروض، إدارة الإعلام، وحتى إدارة التوقعات. أما النمو والتنافسية؟ فيمكننا انتظارها في الإصدار الجديد من خطة الإصلاح، إن خرجت من الصندوق، لا إليه.

من 5.3% نمو إلى 3%؟ مبروك علينا "النمو العكسي"!

بينما صفق صندوق النقد لجهود الحكومة المصرية وقال إن "النتائج بدأت تظهر"، لم يوضح لنا ما إذا كانت هذه النتائج تظهر على وجه المواطن، في شكل تجاعيد إضافية، أم على وجه الجنيه، الذي يبدو وكأنه مرّ بحرب أسعار شرسة وخسر كل معاركه.

والحقيقة أن الجنيه لم يتم تخفيضه بل تدهور بإرادته. الحكومة، بكل حماس، خفّضت قيمة العملة عدة مرات وكأنها تشارك في تحدٍ عالمي بعنوان "من يخفض أسرع؟"، والنتيجة كانت: دولار يرقص فوق الـ 50 جنيهًا، وأسعار غذاء تركض خلفه بسرعة 300%.

مرونة سعر الصرف: "المرونة التي جعلت المواطن ينكسر"

تحدث الصندوق عن "مرونة سعر الصرف" كأنها تمرين يوغا، بينما في الواقع كانت تمرين صدمة كهربائية. المواطن استيقظ يومًا ليجد راتبه لم يعد كافيًا لشراء البيض، ثم استيقظ يومًا آخر ليجد نفسه يفكر: هل أنا من الطبقة المتوسطة أم فقير بثلاث وجبات؟

ومع ذلك، لا يزال الصندوق متفائلًا ويعتبر أن التضخم تحت السيطرة. صحيح، طالما لم يُحسب كم علبة زبادي يمكن أن يشتريها المواطن بنفس الراتب!

الخصخصة.. نعم، لكن لا تلمسوا الجيش!

قالوا لنا إن الخصخصة ستفتح الأسواق، وتزيد الكفاءة، وتأتي بالمستثمرين. وصدقنا، حتى اكتشفنا أن الخصخصة هنا مثل قصة حب غير متكافئة: شركات تُباع من الدولة... إلى الدولة ذاتها، لكن ببدلة مختلفة. وإذا حاولت أن تسأل: أين ذهبت أموال الخصخصة؟ تأتيك الإجابة المعتادة: "هذا سؤال غير وطني".

خصخصة الجيش؟ لا، لا، هذا خارج المنهج. الخصخصة فقط للقطاعات القابلة للبيع بدون جدل سياسي. باختصار: بيع انتقائي، لصالح نخب مختارة، وبأسعار مخفضة، لأن من قال إن الاستثمار لا يحتاج إلى أصدقاء؟

الديون.. نحن نستثمر في المستقبل… البعيد جدًا

في بلد تُستخدم فيه كلمة "فائض أولي" كما تُستخدم كلمة "نجاح" في نتائج الثانوية العامة – دون تدقيق – اكتشفنا أن معظم هذا الفائض يذهب لسداد فوائد الدين. وهكذا، بدلًا من الاستثمار في التعليم والصحة، أصبحنا نستثمر في أكبر مشروع قومـي: خدمة الدين العام.

نسبة الدين للناتج المحلي وصلت تقريبًا إلى 96%، وهي نسبة تجعل حتى محترفي القروض الشخصية يقولون: "ده كتير أوي". لكن لا تقلق، صندوق النقد وافق على رفع القرض من 3 إلى 8 مليارات. لأن الحل الوحيد لديونك… هو ديون جديدة، أليس كذلك؟

ضرائب؟ نعم... لكن ليست على الجميع!

الصندوق طالب بزيادة الإيرادات الضريبية. فكرنا في الضرائب التصاعدية، فكرنا في توسيع القاعدة الضريبية، فكرنا كثيرًا… ثم قررنا ببساطة أن نفكر فقط، ونُبقي الضرائب كما هي، مع بعض اللمسات التجميلية.

في الواقع، لا تزال المشروعات العسكرية والمناطق الحرة والشركات الكبرى تسبح في بحر من الإعفاءات الضريبية. والنتيجة؟ المواطن البسيط، الذي يشتري ساندويتش فول، يدفع ضرائب غير مباشرة أكثر مما تدفعه بعض الشركات "الاستراتيجية". ونسأل بعدها: لماذا لم نحقق العدالة الاجتماعية؟

الحماية الاجتماعية: التكافل والكرامة... كرامة من؟

صندوق النقد يقول إن الإنفاق الاجتماعي زاد، وإن هناك دعمًا للفقراء. نعم، ربما زاد على الورق. لكن في الواقع، الدعم تقلص، والقيمة الفعلية للبرامج الاجتماعية تآكلت بفعل التضخم. بمعنى آخر، المواطن حصل على دعم اسمي أكبر… لكنه لم يعد يشتري به حتى "نصف كرامة".

أما التعليم والصحة، فهما خارج مجال التغطية. لم تُدرج كأهداف أو شروط هيكلية، لأنها على ما يبدو، لا علاقة لها بالنمو الاقتصادي من وجهة نظر الصندوق.

النتيجة: مصر تحاول أن تصلح اقتصادها... بنسخة تعليمات غير مترجمة

برنامج الإصلاح بدا كأنه كتيّب إرشادات غسالة كُتب بلغة لا يفهمها من يستخدمها. والمواطن المصري هو من تم وضعه في هذه الغسالة، على دورة شطف قوي، دون منعم ملابس.

الدرس الذي يجب علينا تعلمه هنا: لا يمكنك تطبيق برنامج اقتصادي يعتمد على تقشف حاد، مع تخفيض العملة، وزيادة الضرائب، وخصخصة غامضة، في بلد يعاني من هشاشة بنيوية، ونخب متغلغلة، ومواطنين لا يملكون وسادة مالية أو حتى وسادة للنوم.

الإصلاح الاقتصادي المصري مع صندوق النقد الدولي لم يفشل لأنه فكرة سيئة بالكامل، بل لأنه طُبّق بطريقة تخلو من الحساسية للسياق المحلي، وتفتقر إلى الشفافية، ويغيب عنها البعد الاجتماعي. لكنه نجح في شيء واحد: تحويل الاقتصاد إلى نكتة... ووضع المواطن تحت خط الفقر.
--------------------------------
بقلم: صلاح عبدالجابر العربي


مقالات اخرى للكاتب

كلام لبكره | برنامج الإصلاح الاقتصادي: كيف جعلتنا الحكومة ندور حول أنفسنا 10 سنوات بلا هدف؟